الثلاثاء، 11 يناير 2011

غابة المرايا اليابانية



"اليابانيون يجعلون من كل شيء إلهاً .. قد يختفي الدين, كما نفهمه عندنا, من الحياة اليابانية لكنه يتجلى على شكل ممارسات لا تشبه سوى الممارسات الدينية .. ممارسة النظام دين .. طريقة الأكل دين .. هناك قواعد تتحكم بالفعل اليومي منذ آلاف السنين لم تتغير. لقد أخذت صبغة تقديسية."
نقرأ دائماً عن الوجه المثالي لليابان, أما هنا فسنجد اليابان بوجهها الطبيعي, فبمزيج من الأدب الذاتي وأدب الرحلات, يتحدث المؤلف عن نفسه وسفره من باريس إلى اليابان ومن خلال حديثه نستشف ملامح كثيرة عن اليابانيين, ملامح مختلفة, ولكن ليست بالضرورة مثالية.

يتميز الكتاب بميزتين: الأولى هي التي ذكرتها أعلاه عن ماهية الحياة اليابانية اليومية, فـ بروح الشاعر يحلل الكاتب الشخصية اليابانية , والمجتمع الياباني بإمتياز, وبطريقة غير مباشرة, تجد أن بعض معالم مثاليته تلك, ليست في الحقيقة سوى عادة لها أثر سلبي كما لها أثر إيجابي, خاصة عبوديته التامة للعمل.

الثانية, وهي نقطة لم أجدها في كتب أخرى, هي حديثه عن صورة العرب في عيون اليابانيين, فعند الإنفتاح الثقافي الذي حصل في عصر ميجي, ترجم اليابانيون كل ما وقعت عليه أيدهم من الثقافة الأوروبية, ومن هناك - من كتب المستشرقين الأوربيين الأوائل -
أخذوا فكرتهم الأولى عن العرب والتي لم تتغير إلى الآن, ونحن نعلم مدى إختلاف نظرة المستشرقين الأوائل الذين عن المستشرقين اليوم.

بعد الحرب العالمية, ومع مشكلة النفط, قررت اليابان أن علاقتها الآن مع العرب يجب أن تكون مباشرة(لأسباب تجارية بحته), وليس من خلال الوسيط الأوربي كما اعتادوا, لذا فتحوا أقسام في الجامعات تعنى بالدراسات الإسلامية, وباللغة العربية.

وعندما سافر المؤلف- محمد عضيمة-  إلى هناك كأستاذ للغة العربية, وجد أن الأوضاع كما هي لم تتغير, لا إهتمام ثقافي, ولا حركة ترجمة كما حدث مع الثقافة الأوروبية, وحتى القِسم بما يشمل تدريس الطلاب لا يلقى إهتماماً لا من الأساتذة ولا من الحكومة التي لا توفر له ميزانية مناسبة, وعندما سأل الكاتب عن ذلك, وجد أن السبب مرة أخرى تجاري بحت, فهذه الأقسام وضعت لا ليتثقف المجتمع منها, فهم لا يهتمون بالعرب ولا بثقافة العرب, كان همهم تعلم مايكفيهم عن المجتمع العربي ليستطيعوا التعامل معه تجارياً فقط, مع ذلك هناك جهود فردية بسيطة, حيث قام بعض الأساتذة المهتمين بالأدب العربي بترجمة بعض الروايات والأشعار ليوسف إدريس, وغسان كنفاني, ونجيب محفوظ, وأدونيس, ونازك الملائكة.


 أما النقطة العجيبة التي توقفت عندها كثيراً هي أن الياباني لا يفهم المنطق ولغته وأدواته, ولذلك لم تدخل الفلسفة بمعناها الإغريقي ثم الأوربي إلى الثقافة اليابانية !! فصحيح أنهم ترجموا كتب الفلسفة الأوربية, إلا أن ذلك هو كل شي, فلا حراك فلسفي عندهم (أبداً)لا في الماضي, قبل دخول الثقافة الأوربية, ولا بعدها, وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى مانسمعه دائماً عن الشخصية العملية للياباني الذي لا تهمه النظريات التي تدور في الهواء, بل ولا يستطيع إستيعابها.

ومن سمات شخصيته العملية أيضاً, محدودية الخيال, فالياباني جيد في مايراه ويسمعه ويشمه فقط, أما عدا ذلك فلا يستطيع, لذلك الإبداع عندهم هو جودة التقليد, فيما يُعرف الإبداع عند باقي العالم بالإبتكار !

ونستطيع ملاحظة هذا: أولاً في دياناتهم, التي تتمحور حول الممارسات والأخلاق, فليس عندهم إلهاً غيبياً يعبدونه, والديانات التوحيدية ليست رائجة, وحتى عندما دخلت المسيحية مع الثقافة الأوروبية لم تلقى اهتماماً من الشعب, وعندما تناقش المسيحي في ديانته, يعجز عن الحديث حول ماهيتها ويقول: لا أدري, أنا مسيحي فقط ! مع ذلك أجد الكاتب تجاوز حدود علمه حين قال : أن الديانات السماوية لم تدخل ولن تدخل لليابان, فلدي صديقة يابانية مسلمة, إسلامها من أفضل ما يكون, وتنفذ التعاليم الجديدة عليها بقوة وإصرار غريبة تذكرنا حقاً بشخصية الياباني العملي, تعلمت الإنجليزية لأنها لغة زوجها, وتعلمت العربية لأنها لغة القران, ولديها ثلاثة أطفال يتكلمون ذات اللغتين مع لغتهم اليابانية, وهناك الكثير منهم يقبلون على الإسلام كما تقول, فعندما يؤمن القلب ويطمئن فلن تقف الشخصية كحاجز.

وثانياً  في أشعارهم التي تدور في أغلبها حول الطبيعة والأشياء المحسوسة أو المرئية, ويقول شعرائهم المعاصرين أن الإقبال على الشعر الحديث ضَعف كثيراً عندما دخله عنصرا الفلسفة والخيال, وبالحديث عن الشِعر, فهو عندهم حالة خاصة جداً, وإبداع نادر لا يدعيه أي شخص, وإذا سألت عن شعراء الساحة فلن تجد أحد بسهولة, وهي ميزة أخرى تميزهم عن باقي البشر إذا ما قارنت بينهم وبيننا مثلاً, حيث السجالات الشعرية, والبرامج التلفزيونية المتخصصة, والدواوين التي لا تعد ولا تحصى.

أخيراً, كان لأسلوب الكاتب الساخر, وتشبيهاته البديعة دور كبير في جعل الكتاب أكثر متعة, ونستثني من ذلك عدة صفحات في المنتصف أصابتني بالملل و(القرف) من استرساله في الحديث عن الخمر والخمارة التي يفوق عددها حسب قوله عدد المساجد في الوطن العربي بأكمله !

معلومات الكاتب:
غابة المرايا اليابانية
محمد عضيمة
دار الكنوز الأدبية
200 صفحة

هناك 4 تعليقات: