السبت، 21 أغسطس 2010

الصلاة والتركيز "الملكة المفقودة"


أعتقد أني كنت اقرأ كتاباً عن العقل* حين عرج المؤلف على موضوع التركيز وقوته, ومن براعة المؤلف وحسن ادراكه أنه ذكر حقيقة جميلة كانت أمامنا دائماً لكننا لم ننتبه لها, ففي البداية عندما ذكر أمثلة لأناس اشتهروا بقوة تركيزهم لم يقتصر فقط على رهبات التبت ومعلمي اليوغا كما اعتادنا أن نقرأ, بل أورد أمثلة من تراثنا الحي, فذكر بعض الصحابة أوبعض  السلف الصالح كالذي تقف الطير على رأسه وقد ظنته جماداً من شدة خشوعه في صلاته .

هذا المثال وغيره نعرفه جميعاً لكننا لم نربطه يوماً بفكرة التركيز, بل نربطه دائماً بالخشوع, ولو فكرنا قليلاً لوجدنا أن التركيز والخشوع متشابهان كثيراً عدا أن الخشوع يزيد على التركيز بأمور قلبية كالخوف والرجاء وغيره, ومن ما ذكره المؤلف أن التمرن على التركيز مهم لأنه يساعدك على الخشوع في الصلاة, وفي نفس الوقت ليس هناك تمرين على التركيز أجمل من محاولتك على الخشوع في الصلاة.

التركيز يعني قدرة العقل على التفكير في موضوع واحد لمدة طويلة, إذاً  مالذي نقصده بقولنا الخشوع في الصلاة ؟ نقصد "عدم التفكير بالدنيا, فكر فقط أنك أمام الله", صحيح؟  بالطبع الخشوع يصحبه خوف ورهبة وغير ذلك, لكن الذي أردت الوصول له هو أن معناهما متشابه كما قلت سابقا, وهذه القدرة (أعني:قدرة العقل على التفكير في موضوع واحد لمدة طويلة) هي شيء عظيم ومهم أن يتحلى بها كل شخص لأمور دينه ودنياه .

ففي كتب الاسترخاء مثلاً, أو كتب النجاح, أو المذاكرة, نجد دائماً الحث على الخلوة بالنفس والتأمل, والتأمل مرتبط بالتركيز, فعندما يختلي الشخص بنفسه, ويجلس على كرسي مريح, ويغمض  عينيه مثلاً ليسترخي, فهو في الحقيقة قد استرخى جسدياً لكن عقله مشغول بأفكار كثيرة, ويستطيع الإنسان أن يراقب نفسه ليتأكد من ذلك, وسيجد أن عقله يطير من موضوع لآخر ومن فكرة لأخرى في ثوان قليلة, والحل هنا أن يجبر الشخص نفسه على التفكير في موضوع واحد, فلو أراد الاسترخاء فلا بد أن يجبر نفسه على التفكير بصوت الموج مثلاً, وكلما طار عقله لموضوع آخر فهو يرجعه لذات الموضوع ويحاول الإنسجام معه لدقائق ومع التكرار يتعود العقل على التركيز ويصبح طيرانه من فكرة لأخرى بشكل عشوائي أقل.

ونفس الشيء لو أراد الشخص عمل عصف ذهني لمشكلة ما لديه, فجلوسه وتفكيره بالمشكلة لا يساعد أبداً, فهو قد يفكر بالمشكلة, وسببها, ويفكر بآماله, ومخاوفه, والحلول التي وجدها, واحتمالية نجاحها, وهكذا نجده في ساعة كاملة فكر  بأفكار عشوائية غير مرتبطة بفكرة واحدة, والذي يجب عليه فعله قبل تفكيره بالمشكلة هو تحديد النقطة التي يريد التفكير بها, فمثلاً يختار "سبب المشكلة", وهكذا يجلس في مكان هادئ ومعه ورقة وقلم ويبدأ في وضع النقاط على الحروف ومحاولة تحليل المشكلة لإيجاد سببها, ولابد أن يوقف الشخص نفسه لو وجد عقله يطير به لنقاط أخرى كالمخاوف المترتبة على المشكلة, أو احتمالية ايجاد حلول, وبهذا سيخرج بعد ساعة من التفكير باحتماليات كثيرة كانت سبباً في المشكلة .

خلاصة الموضوع أن التركيز هو الملـَكة العقلية التي ميزت كل الناجحين ديناً ودنيا, وهي أيضاً الملكة المفقودة في حياتنا, وفي أعمالنا, وفي صلاتنا, وكما أن الصلاة هي نجاة الشخص من النار, فهي أيضا ً لو أعطها الإهتمام الذي يجب فستكون نجاته في الدنيا وسبب نجاحه, لأنها تمرين للعقل على ملكة قوية وهي التركيز, وليس لمرة واحدة بل خمس مرات يومياً أو أكثر لو أدى السنن .

* للأسف لا أتذكر اسم الكتاب أو الكاتب, كل ما تذكره منه هو المعلومة التي أوردتها فيبدوا أني قرأته قبل سنين!

0 التعليقات:

:)) ;)) :D ;) :p :(( :) :( :-o :-/ :| :-t b-( :-L x( =))

إرسال تعليق